انقلوا عن هذا الرجل أنه يقول..!

آراء

لا يخفى مدى الفرحة الغامرة التي أبداها إخوان السعودية وهم يركبون موجة توقعاتهم الفاسدة بتغير سياسة المملكة الخارجية والداخلية إثر وفاة حبيب القلوب وملكها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه نعيم جناته، بل بعضهم سارع بطريقة همجية ولمّا يمض على الحدث سويعات قليلة، بهجوم مستعر طالما أعدوا له العدة على رجال الملك المخلصين، وطبعاً؛ لأن الإخوان هدفهم سياسي بالدرجة الأولى،

وتطلعاتهم كما هي حركية إسلامهم؛ سلطة وهيمنة عابرة للحدود لا تقدس إنساناً ولا وطناً فقد استيقظوا على صباحٍ سعّروا فيه مشاعرهم المجنونة بإفرازات التشفي والقبح الأخلاقي..

وحقيقة؛ فالتجرد للحق- بالذات عند النقد- يبقى نسبياً إلى حد كبير، لعلائق مخزونِ الميول والمشاعر وسياقات تأثيرها العاطفي، فالإنسان لا يمكنه التجرد التام عند نقد المقولات، سواء أكان نقده اتفاقاً أو اختلافاً، لأن الانتقاد عملة بشرية والتجرد التام فعل ملائكي لا بشري..

إلا أنه من دواعي الخلل مقابل الحياد- بعضه لا كله- أن تجد من يزكي مرحلة مقابل تشويه أخرى؛ برميها ظلماً وعدواناً بمفارقات مغرضة وموحلة المزاعم، هنا تتجلى حكاية المدّاحين،، وفي زمن كسد فيه سوق المدح المباشر يبقى الالتفاف على الأحداث والوقائع وتوظيفها لخدمة أهداف أهل تراب الوجوه”المداحون”سلعة رائجة..

لكن تظل هناك حقائق أشبه بعلامات فارقة تضيء طريق النقد وتكشف التوجه العام للمنقود، وعبرها يتم استظهار ما بدا أو توارى أو ماقد وقع بين بين.. وربما لو بحثت عن حديث أكثر وضوحاً لكشف التنظير السابق فسيكون برنامج لقاء الجمعة بضيفه د. أحمد التويجري أنصع مثال..

أحمد التويجري رجل حليق ويلبس عقالاً على غير عادة “المطاوعة”، براجماتي يحسن تحريك ميوله ومناسبات الأوضاع، المحسوبة في لغة المداهنات السياسية “ركوب الموجة”.. لكنه ركوب يصرف وجهه عن الواقع ليسوقه خلف توقعات باتت أحلام يقظة لكثير من أصحاب توجه الإسلام السياسي.. ويكاد البعد الأوضح لحديثه ينبئ عن اختيار هذا التوقيت بالذات..

ففي تلك الليلة الليلاء والناس حزانى يتشاكون وجع فراق هامة عظيمة وقائد فذٍّ، كان التويجري- كما يقول- مشغولاً باختيار عنوان مقاله المشهور الذي استهله بتاريخ وفاة الملك عبدالله ليوثقه انبثاقاً لميلاد “الدولة السعودية الرابعة” 23 يناير 2015

ورغم أنه ليس أول من ابتدع العنوان، إذ سبقه الكاتب أحمد عدنان كعنوان كتاب لمرحلة سابقة عام 2011، إلا أنه ترميز يمثل آمالاً حبست في الصدور وأجلت لحينها، ولولا مايختزله لما حمل أي قيمة.. فالدولة السعودية الثالثة قائمة إلى الآن ولله الحمد..

ما يعلمه الجميع تقريباً أن الملك سلمان حفظه الله لا يستسيغ المدح، وهو ما شجعني لكتابة هذا المقال.. وهي الصفة التي ربما غابت عن التويجري أو تغافل عنها أثناء حديثه..

يعلل التويجري قناعته بميلاد الدولة السعودية الرابعة بأنه “قراءة للتاريخ واستقراء للواقع، وتحديات المرحلة، وأن الأفذاذ في مثل هذا الظرف التاريخي الذين يتولون قيادة المجتمعات يعودون إلى الأصول لترسيخ أقدامهم لمواجهة التحديات”..

ويلخص “إذا جمعنا بين الملك سلمان والظرف التاريخي لا يمكن إلا أن نتوقع مرحلة جديدة تتميز بالعودة إلى الأصول، إعادة البناء، مواجهة التحديات”..

والحديث هنا ينم عن نقطة جوهرية تفيض بفهم قيمة الحديث الشريف (إذا جاءكم المداحون..)، والسبب؛ أننا ونحن نتفق معه بخصوص صفات الملك سلمان المعرفية والتاريخية، نختلف معه بشأن توظيفها المقابل؛ بأن المملكة كانت تعيش فترة انقطاع عن الأصول التأسيسية.. فبعض المدح ذم؛ ولكنه بهذه الفجاجة يفضح التوجهات، ويكشف سر الفرح بانتهاء فترة حكم قائد تاريخي خدم شعبه وأمته وشهد له العالم أجمع.. وغني عن شهادة الناكرين..

يذكر التويجري أن “الدولة الجديدة” لم تبدأ على أنقاض سابقتها، وإنما استمرار لها ولكن بروح جديدة وبرؤية جديدة.. وهذه مماحكة مدّاح؛ فالاستمرار امتداد مسيرة ولا يصح تسميته ب”دولة جديدة”؟!!

أما التطور النوعي الذي كرسّه في الأجيال، فتطور بدهي بحسب حركة الزمان؛ فالإنسان لا يعمّر.. ووعي القيادة بأهمية المشاركة السياسية لجيل الشباب كان سبباً رئيساً لإنشاء هيئة البيعة..

وفي مفاصلة بين المصلحة والحاكمية ينساق التويجري للحاكمية، ويفسرها بالتي تتطلب اجتهاداً وعودة للدين، والعودة لا تأتي إلا بعد انقطاع، فهل الفترة السابقة انقطعنا عن الدين؟!!

أما حديثه عن مفهوم التسامح فدحضه باتهامه د. تركي الحمد وأحمد عدنان بأنهما لا يعرفان القيم الإسلامية والدين الصحيح،،، إن رفض الآراء المخالفة وإسقاطها من قائمة المسؤولية ورميها بالعبثية، هو السياق الذي تنبت منه فكرة التكفير، التي تتهم من لا يتفق معها بأنه ضد الدين..

وفي سياق مصداقية التسامح يفر هارباً من سؤال عن إدماج جميع المذاهب في هيئة كبار العلماء، ليجيب بعد إلحاح “لا بأس إذا كان وجود الشيعي لمصلحة الوطن”؟!! ولماذا لا يكون في مصلحة الوطن، وهو مواطن وله حق المواطنة الكاملة؟!!..

ولأنه ربيب المذهب فقد صاغ عتاباً فوقياً أدبر فيه عن حجيّة الحق وأبسط أولوياته “أن البادئ أظلم”.. ففي تغريدة عنصرية لأحد الطائفيين المتطرفين قال فيها “ليت الشيعة يعلمون، دين الشيعة ملفق من النصرانية، وأكبر قساوسة مصر يعلن إسلامه ويفضح عقائد الشيعة”..

ليرد عليه د توفيق السيف “لا أدري أيهم أكثر؛ جهلك بالمسيحية أم جهلك بالتشيع أم سوء أدبك، أسفي لشباب ينزلقون للتكفير والتفجير تبعاً لتوجيه أمثالك”

لا أظنه يخفى عليه مفهوم كلمة “دين الشيعة” وما تحمله من دلالات تكفيرية، تخرج من الإسلام، لكنه تسامح فقد بوصلته تماماً؛ فيتسامح عن المتطرف الذي يحقن النفوس بالكراهية والعداوة والجرائم الاعتقادية الإرهابية، ابتداءً ب(التغريدة= الفعل)، ومن تمثل تغريدته (رد فعل طبيعي=تفاعل) فهو الذي تجاوز الحدود المقبولة، و”واجبه الشرعي لإنكار المنكر” جعله يسطر مقالته المنشورة في سبق لعتابه..!! وعندما ذكّره مذيع البرنامج ببعض “المكفراتية” من مذهبه وجد لهم العذر الجاهز، ليبقى إذكاء الطائفية وخلخلة مفهوم المواطنة مستمراً بادعاءات تسامح باطلة..

وفي خلطه السياسة بالدين؛ يقدم الدين على مصلحة الوطن، وهنا مصدر العبث؛ فالدين يخدم الإنسان وليس العكس، فحيثما تكون مصلحة الإنسان ثمّ شرع الله.. وضمن حديثه عن دور وعلاقات المملكة يتضح بأنه ممن ساءه مؤازرة مصر في محنتها، رغم أن الملك سلمان قطع أماني المغرضين بكلام صريح يؤكد بأن العلاقة مع مصر أكبر من محاولات التعكير الإخوانية..

أما أعجب العجائب؛ فاعتباره وصف جماعة الإخوان بالإرهاب بناء على بيان المملكة بأنه “تفسير أعداء الدين لبيان الداخلية” وبالجزم المطلق يقول (لم تقله وزارة الداخلية ولا السعودية ولا يمكن أن تقوله) ضاماً من يؤمن بإرهابهم لقائمة المجانين (لا يقوله عاقل ولا يقبله عاقل، ومن إيذاء المملكة وشتمها أن يقال هذا الكلام)..

ويستطرد “حصل في السنوات الأخيرة معكرات لهذه العلاقة (يقصد بعهد الملك عبدالله) لكن لا يجب أن ننسى المعروف بيننا وبين الإخوان”.. وأي معروف للجماعة الإرهابية أكثر من الغدر والكذب والإرهاب؟!!!

لا عجب؛ فهو يعتبر هذه الجماعة الإرهابية دولة؛ “جماعة الإخوان في إطارها العالمي تظل إحدى الجماعات الإسلامية، المملكة تتعامل معها على أساس مبادئها ومصالحها، ولا يمكن أن تعمم حكماً بأنهم إرهابيون، هذا لا يقوله عاقل ويجب أن يوقف هذا الكلام، هذا إساءة للمملكة قبل أن يكون إساءة لأي أحد”!!!

ويستمر بمدح الجماعة الإرهابية وإملاءاته السياسية”الذين يدعون إلى إصلاح المجتمعات وتحكيم شرع الله ويدعون لتصحيح مفاهيم الناس حول دينهم ويسعون بالطرق السلمية للوصول إلى الحكم لا مشكلة للمملكة معهم، ولا يجب أن يكون للملكة مشكلة معهم”.. هنا تتضح قيمة العَلمانية الحقيقية في الفصل بين السياسة والدين، فركوب الدين للسياسة جريمة تاريخية لازالت جماعة الإخوان تمارسه بإرهاب مكشوف.. ولا زال هؤلاء يعزفون على وتر العَلمانية لاتهام من يحذر من الإسلام السياسي بأنه كافر وعدو للدين..

وبرغم “يجبيات” حديثه، وفرضها على صانع القرار السياسي- يرى التويجري أنه يستحق الشكر والتقدير من الدولة..!! “لأنه يصحح مفهوماً خاطئاً أراد “المغرضون” به تشويه سمعة المملكة، “أقولها وأنا واثق أن المملكة لا يمكن أن تعادي من فيه حب للإسلام وخير للمسلمين ولا يمكن أن تعمم مواقفها بهذه الصورة التي لا يقبلها عقل”..

ألا يرى ما فعلته وتفعله جماعة الإخوان الإرهابية بتحالفها مع داعش علناً وتبنيها لجرائم القتل والإرهاب في مصر وليبيا وسورية والعراق واليمن إلا المجانين وأعداء الدين؟!!، فليجد العاقل المتدين التويجري سبباً وجيهاً للدفاع الذي تبناه عنها..

أجزم أن الجميع فهم بيان الداخلية في حينه، حتى إخوان السعودية أزالوا شعار الأصابع الصفراء الأربعة من صفحاتهم في تويتر وغيرها، ولكن السؤال؛ مادمنا مغيبين عن فهم التويجري الوحيد للبيان، فلماذا بقي حبيس صدره حتى اليوم؟!! الجوابُ مضمرٌ في اختيار التوقيت وأبعاده..

من أعجب الأمور أن يأتي رجل “ما” وبدون صفة سياسية مؤهلة تفوضه، ويشكك في بيان واضح صادر عن القيادة السعودية؟!!

كان الأولى بالأستاذ المديفر أن ينقل عن ضيفه قوله:(من قال إن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية فلا عقل له).. لعلها تتمايز بدعواها أهل العقول.. فيأتي الرد المناسب..

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1025126