عبدالله فدعق
عبدالله فدعق
داعية إسلامي من السعودية

منع التطرف من التناسل

آراء

طاعون التطرف الذي تشتكي منه كل المجتمعات، ومن مختلف الديانات كان عنوان مجموعة من اللقاءات التحضيرية التي عمت أطراف المملكة، البداية كانت في نجران، ومرت بأبها، فجازان، والباحة، وأخيرا، وليس آخرا في جدة، ويتبقى عقدها في حائل، وبريدة، والخبر، ثم الرياض، كل هذا الزخم لنفس الموضوع يوضح دقة التحضيرات للقاء المرتقب للحوار الفكري العاشر في العام القادم بحول الله.

لقاء جدة، الذي سعدت بالمشاركة فيه قبل أيام مع نخبة غيورة وصريحة من سيدات ورجالات منطقة مكة المكرمة، أكد أن التطرف، وإن اختلفنا اختلافا صحيا في إلصاقه بالدين، إلا أننا اتفقنا كثيرا في أن أبرز المظاهر المقيتة له هو التعصب الذي يتجمد فيه المرء عند رأيه، ويحاول أن يثبت فيه لنفسه ما ينفيه عن غيره، وأن هذا الأمر يزداد فُحشه عندما يفرض صاحب الرأي رأيه بعصاه الغليظة، وبطبيعة الحال لم نهمل التشدد، والغلو، والعنف، وسوء الظن، واستباحة الأنفس، مما نتج عنه وعن غيره لوثة التكفير، وفوضى التفسيق والتبديع، وممارسة الوصاية على عقول الناس، والجناية على الدين باسم الدين كما هو مشاهد ومسموع.

لا يختلف الناس في أن التطرف الذي يُقصد به الأفكار الشاذة غير المبررة، وتلك التي تجاوزت حد الاعتدال، وخرجت عن القواعد، والقيم، وتبنت المعايير الشاذة والمختلفة، له أسبابه الكثيرة، وبقليل من التمعن نجد أن أبرزها مرتبط بالحرمان الاقتصادي، والإقصاء، والانتقاء، والتهميش، والفصل بين أفراد المجتمع، مع التفكيك القسري للمؤسسات الاجتماعية والثقافية وغيرها، ومن هنا كان التدبر في وسائل حماية المجتمع منه، التطرف، من آكد الأمور التي يفرضها واقعنا اليوم.

ما من شك في أن دفع التطرف وإن كان ممكنا تحققه بالوسائل الأمنية، إلا أن ذلك لا يغنينا عن ضرورة توفير الخطط العلمية والعملية التي يستطاع خلالها معالجة الجوانب والأبعاد والسياقات التي وفرت الظروف المساعدة على التطرف.

لعل من أفضل طرق معالجة التطرف تبني الدرجة الدنيا من المسامحة، وأعني بذلك عدم التضجر ممن يخالفنا، وهذا لا يمكن تخيله دون السماح للمخالف بالمخالفة الموزونة، عدا ذلك سيعم الصدام، ويكثر الانقسام، وتزداد الخسائر، خاصة وأن التطرف أمر يتناسل، وأنه لا يلد إلا تطرفا مثله، وغالبا أسوأ منه.

كلمة أخيرة.. كل يوم يثبت لنا مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أن البذرة التي بذرها خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1424، ونمَّاها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمهما الله تعالى، قد آتت ثمارها، وما هذا الألق المتجدد في التنظيم والإدارة إلا من أدلة الإتقان الذي تميز به المركز، وما دامت هذه بداياته، وهذه نتائجه، فتوصياته حتما ستكون محل عناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، وسيحقق الله بحكمته ما يؤكد للناس أن تنوع مختلف الأطياف في الآراء والأفكار، بل وحتى الاختلاف في الرؤى والتوجهات دليل قوة، وليس دليل تفكك، شريطة أن نبتعد جميعا، كل في تخصصه، عن الخلاف الذي يفرق ولا يجمع، وشريطة أن نعلم أن الحوار ليس بالضرورة أن يصل بنا إلى قناعات موحدة.

فالتواصل، وتبادل الخبرات من الأمور الضامنة، بعون الله، على نجاحنا في مواجهة التحديات التي تواجهنا، وتوفير مناخ طارد للتطرف، وجاذب للنماء والازدهار.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=25294