سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

مشهد مؤلم!!

آراء

مؤلم ذلك المشهد، ومؤلمة أكثر منه، حالة عدم الاكتراث، وعدم احترام المكان والزمان والمعلم، ومؤلم أيضاً رؤية جيل جديد يخطو خطواته نحو الفوضى، لا يأبه بأي شيء، ولا يحترم أية قواعد، ويبعد بعيداً عن مساحة الذوق والأدب والأخلاق.

مشهد لطلبة في المرحلة الثانوية، يبدو من ملابسهم وشكل الفصل الدراسي أنهم في مدرسة حكومية، يتفاخر أحدهم بالجلوس على الأرض قرب مقعده الدراسي ليدوخ «الدوخة»، ويفخر بكل سحبة ونفخة دخان وهو ينظر إلى كاميرا الهاتف التي يلتقط بها زميله لقطات له، ثم يبعد «الزوم» أكثر فأكثر، لنكتشف أن الطالب يجلس في فصل دراسي، وفي مقدمة الفصل هناك مدرس يجلس على طاولته!

«الدوخة» تغزو المجتمع، وتجتاح الفئات العمرية من 14 عاماً فما فوق، وتنتشر في المدارس، والآن نكتشف أنها موجودة حتى داخل الفصول الدراسية، وأثناء الحصص، وبوجود المعلم، يدخنها الطلبة بكل جرأة، وبشكل طبيعي لا يختلف عن إخراج قلم من «المقلمة»، بل إنها أصبحت أداة عادية من أدوات الدراسة، موجودة في جيوب معظم الطلبة، بمختلف أعمارهم، ومراحلهم الدراسية.. أليس ذلك مؤلماً؟!

من أين أتى هؤلاء الطلبة الصغار بهذه الجرأة؟ ولماذا أصبحت القوانين المدرسية، وقواعد العلم والأدب آخر ما يهتمون به؟ ولماذا أصبح المدرس ضعيفاً لهذا الحد الذي يجعله لا يحرك ساكناً، بل أصبح وجوده في الصف شكلاً «للديكور» فقط، لا يختلف عن الطاولة والمقعد و«السبورة»؟ أسئلة كثيرة والإجابات لاشك أنها مؤلمة حقاً!

المشكلة ليست في مشهد فيديو لا يتعدى دقائق قليلة، بل هي مشكلة جيل كامل، فذلك الطالب «اللا مبالي» الذي يتفاخر بمدواخه في الفصل، لا يمثل نفسه، بل يمثل أقرانه، ويمثل أعداداً من الشباب لا نستطيع حصرها، وسلوكه هذا يعكس سلوكيات مرفوضة كثيرة، موجودة في الفصول الدراسية، وحالة عدم الاكتراث بالمعلم تعكس مشكلة حقيقية خطيرة في العلاقة بين المعلمين والطلبة في مدارسنا الحكومية، والخاصة أيضاً، وتعكس نظرة الطلبة لهذا المعلم، وتعكس حالة عدم الاحترام التي دفعت هذا الطالب، وغيره، إلى تجاهل وجود المعلم بشكل تام، فعن أي علم نتحدث، وأي تربية وأخلاق نرجوها من هذا الطالب ومن على شاكلته؟!

الجميع يتحمّل مسؤولية جلوس هذا الطالب على الأرض، وتدخينه في الفصل المدرسي، والجميع يتحمل مسؤولية انتشار «الدوخة» مجهولة المكونات، وكثيرة السموم التي يتناولها الطلبة، والجميع هنا تعني أولياء الأمور في البيوت، والناظر والمدرسين في المدرسة، والمسؤولين عن التربية والتعليم، وكذلك الجهات الأمنية، والجهات الحكومية المعنية بالترخيص والرقابة، وكل من له علاقة قريبة أو بعيدة بدخول هذه المواد وانتشارها بين الطلبة!

جميع هؤلاء عليهم التألم بشدة لذلك المشهد، وعليهم رفع أعلى درجات الخطر، وتحمّل المسؤولية، وبدء خطوات مواجهة هذه الآفة التي لا تقل أبداً عن غيرها من الآفات، بل هي البداية الحقيقية لعالم أكبر وأرحب وأخطر، عالم الظلام، وعالم الإدمان، ذلك العالم ذو الأبواب الواسعة في الدخول، لكنه يضيق مع الوقت ليغلق جميع هذه الأبواب، ويفتح باباً واحداً فقط للخروج منه، هذا الباب هو الموت!

المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-03-23-1.767843