خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

هل ضاعت سوريا؟

آراء

أي كلمات ترسم اليوم حجم العذاب السوري، في الذكرى الرابعة للثورة؟ وما جدوى أي كلمة أو مقال أو خطاب، في حضور هذا الكم الهائل من الدم والموت والدمار والتشرد والأيتام والثكالى.. والآمال المحطمة؟ خطوتان في اعتقادي أقدم عليهما النظام، أوقعتا بالثورة كل هذا الضياع والدمار.

الأولى، إجبار المتظاهرين وجر المعارضين بالعنف والقتل، للجوء إلى السلاح وترك النضال السلمي لتحقيق أهداف التغيير. والثانية، خلق الأصوليات المتوحشة والجماعات «الجهادية» الدموية الموغلة في العنف وفي سحق آدمية الإنسان، وعلى رأسها «داعش».

الخطوة الأولى، أفسحت للنظام المجال ليجرب مع المعترضين والمتظاهرين والمدن المتمردة والقرى المتهمة بالاعتراض، أبشع أسلحة الدمار. والثانية، غمرت الساحة بقوى مغرقة في الدم والإجرام وجز الرقاب، ومدعومة بخبرة أجهزة حزب «البعث» في العراق وسوريا وتنظيمات الإرهاب الدولية، فجعلت العالم ينصرف عن عنف النظام إلى عنف خالص لا نظام فيه، وجريمة خالية من أي قانون أو رحمة.
كانت حصيلة السنوات الأربع، كما جاء في الصحف في مارس 2015، مقتل 210 آلاف شخص، وفرار 11 مليون شخص من منازلهم، من بينهم أكثر من 4 ملايين لجؤوا إلى الخارج، وأعداد كبيرة من المفقودين والسجناء السياسيين، وارتفاع قيمة الدمار إلى مليارات يصعب حصرها الآن بدقة.

إن إتاحة المجال لآلة القتل السورية لتفتك بالناس، وتدمير الحراك السلمي الذي انطلق في بداية 2011، غذت كذلك ظهور ونمو التنظيمات المتطرفة كـ«داعش». ويرى الياس حرفوش أن «ما وصلنا إليه اليوم، بعد أربع سنوات على هذه المجزرة المفتوحة، هو نتيجة التقاء العجز الدولي، والأميركي خصوصاً، مع وحشية النظام السوري». (الحياة، 15- 03- 2015).

لماذا فشلت المعارضة المقيمة خارج سوريا في تأسيس مؤسساتها، تتساءل الكاتبة السورية غالية قباني، ويجيبها د. برهان غليون، أوّل رئيس للمجلس الوطني السوري، بذكر سببين! «أولاً لأنها ليست معارضة تمثل قوى اجتماعية واضحة وتمتلك الحد الأدنى من الانتظام الفكري والسياسي والإداري والخبرة، وإنما هي مجموعات محدودة وأفراد عاشوا غالباً في الحصار والعزلة».

وثاني العوامل وراء هذا الفشل أن «المعارضة» هذه، كما يقول د. غليون «أصبحت تتصارع للسيطرة عليها وعلى أجهزتها الوليدة، بدل أن تتوحد ضد عدوها الحقيقي، ولم يقبل كثير من أفرادها، إن لم يكن معظمهم، أن يكون مثقفا وأكاديميا في موقع القيادة، واعتبروا ذلك اغتصاباً لحقوقهم، والحال أن سبب النجاح في إنشاء أي مجلس وطني هو توفر قيادة من خارج صفوف المعارضة التقليدية وبعيدة عن نزاعاتها وحساسياتها الطويلة».

وهكذا دخلت المعارضة قطاعات هائلة من الشباب السوريين إلا أن المؤسسات «التي شكلتها المعارضة على عجل»، لم تستطع احتواءهم، وتسأل قباني: هل ضاع الملف السوري دولياً إذن بين قضيتي «داعش» ومباحثات النووي الإيراني، وهل زمن إنقاذ سوريا قد فات الآن؟ ويجيب د. غليون بكل ما يشعر به من يأس: «بل ضاعت سوريا بأكملها لأنها حُرمت من القيادة، فلا الأسد الذي يقتل شعبه بالسلاح الكيماوي، ولا المعارضون الذين يضيعون وقتهم في عض بعضهم بعضاً والمهاوشة.. إن إنقاذ سوريا يحتاج قبل أي شيء آخر إلى قيادة تنتزع الملف السوري وقضية السوريين من الأيادي الكثيرة التي تتلاعب بها». (الشرق الأوسط، 15- 03- 2015).

المعارضة السورية ومقاتلوها في نزاع آخر مع إيران و«حزب الله» والدعم الروسي الشامل لإيران وسوريا. ويشير الإعلامي عبدالوهاب بدرخان إلى مأساة الخلافات بين أطراف المعارضة «بعد أربع سنوات من خيبات الأمل»، و«بعد التناحر والتنافر بين شخوصها رغم هول الكارثة». ولكن حتى لو تحررت سوريا من النظام -يضيف بدرخان فالحرب التالية تحرير سوريا من الاحتلال الإيراني». (الحياة، 12- 03- 2015).

الولايات المتحدة نفسها تحاول الاستفادة من النفوذ الإيراني في سوريا. فهي، أي أميركا «لا تريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة». ويقول أحد المختصين في السياسة الدولية إن إدارة الرئيس أوباما تراهن على الاتفاق القادم مع إيران، كي يتجاوب مسؤولوها في حل الأزمة السورية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقبل إيران التضحية بالأسد؟ ثم إن الاستراتيجية الأميركية ضد تنظيم «داعش»، في تحليل لـ-«رويترز» «تقوم على هزيمة في العراق أولاً. أما في سوريا، فتقول واشنطن: إن الأمر يتطلب على الأرجح سنوات عدة، قبل أن يتمكن مقاتلو المعارضة المعتدلة من إحراز تقدم ضد الإسلاميين المتطرفين».

ماذا عن آلام الناس وعذابات الشعب السوري منذ 2011.. مروراً بالسنوات القادمة؟

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=84048