محمد بن صقر السلمي
محمد بن صقر السلمي
خبير في الشؤون الإيرانية

إيران وعاصفة الحزم والكروت المحروقة

آراء

بعد نفاد كل المحاولات الدبلوماسية والسياسية في إيقاف الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن وتحذير الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ونجله أحمد من الزحف نحو عدن، وبعد طلب الرئيس عبدربه منصور هادي من دول الخليج التدخل عسكريا لإنقاذ اليمن، جاء الرد السعودي، وبتحالف عربي وإسلامي، باللغة الوحيدة التي يفهمها الانقلابيون في اليمن، إنها لغة القوة.

كانت دول الخليج العربي تتحاشى التدخل عسكريا في اليمن وتدعو إلى الحوار بين الفرقاء السياسيين هناك بداية من المبادرة الخليجية وانتهاء بقبول خادم الحرمين الشريفين استضافة الرياض لمؤتمر حوار يمني في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي وما تلا ذلك من اقتراح قدمه الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر المتمثل في نقل الحوار من الرياض إلى الدوحة إلا أن الانقلابيين رفضوا ذلك مجددا مما أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الانقلابيين لا يرغبون في الحل السياسي مطلقا، ربما لأن القرار ليس في أيديهم بل هو مشروع خارجي إيراني ينفذ بأيد يمنية.

من هنا انطلقت عمليات عاصفة الحزم فجر الخميس الماضي للحفاظ على الشرعية في اليمن وحماية أرواح الأشقاء هناك من عبث العابثين.

الموقف الإيراني الرسمي

وحيث إن من يدفع الانقلابيين في اليمن هو النظام الإيراني، يتساءل كثيرون عن موقف طهران من تحالف عاصفة الحزم.

على المستوى الرسمي ظهرت تصريحات لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف دعا فيها بلدان المنطقة والغرب إلى تجنب اللعبة التي تخدم القاعدة في اليمن.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم أن استخدام الخيار العسكري في اليمن الذي يشهد أزمة داخلية وحربا على الإرهاب من شأنه أن يزيد من تعقيد الأمور واتساع رقعة الأزمة وإنهاء فرص التوصل لحلول سلمية للخلافات الداخلية في اليمن كما وصفت العمليات العسكرية بالخطيرة والمغايرة للقوانين والأعراف الدولية واحترام السيادة الوطنية، على حد زعمها.

من جانب آخر، أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني علاء بروجردي أن نار الحرب على اليمن سترتد على السعودية داعيا إلى وقف العمليات العسكرية في اليمن.

وزعم بروجردي أن أمريكا هي أساس فتن الحرب في المنطقة وقد دعمت هذا الهجوم.

لا شك أن إيران تركز حاليا على مفاوضاتها مع الغرب حول البرنامج النووي وهي بين مطرقة المفاوضات واللغة الناعمة مع الغرب وسندان ترقب المغرمين بها في الداخل العربي لموقفها من الأحداث، وقد نشهد في الأيام القادمة تصريحات أكثر حدة من قبل الساسة والقادة العسكريين ومستشاري المرشد الأعلى، وربما تعمد طهران إلى محاولة الانتقام في العراق الجريح أو لبنان لمحاولة لفت الانتباه بعيدا عن فشلها المدوي في اليمن.

الكروت المحروقة

هذه التصريحات الإيرانية تظهر الموقف الإيراني من عمليات ردع الانقلابيين في اليمن.الآن تدرك طهران جيدا مدى الخطأ الاستراتيجي الذي أوقعها فيه غرورها السياسي وطموحها التوسعي في المنطقة العربية كما تعلم يقينا أنها لن تستطيع إنقاذ ذراعها في اليمن في الوقت الراهن بل ربما أنها لن تسعى لذلك لأن الحوثي أصبح “كرتا محروقا” وستحاول الحفاظ في المرحلة القادمة على بقية أذرعها ونفوذها في سوريا والعراق ولبنان.

إيران كذلك لا تتعلم من دروس الماضي وتتجاهل مدى الحزم والحسم السعودي والخليجي عندما تقترب طهران من الخطوط الحمراء.
كان من المفترض أن تستوعب درس عام 2011م، عندما حاولت السيطرة على البحرين عبر الموالين لها هناك فكانت المفاجأة بتدخل قوات درع الجزيرة وإحباط المخطط الإيراني خلال سويعات، وهو الأمر الذي تكرر مع الحالة اليمنية.

الدرس اليمني لأتباع إيران

يفترض أن يكون هذا التخلي الإيراني عن الحوثي بعد أن ورطه في مشروع كان من المستحيل نجاحه مؤشر إنذار صريح لبقية الأحزاب والميليشيات المرتبطة بإيران في الداخل العربي وأن طهران سوف تضحي بها في أي وقت وتتركهم لمواجهة مصيرهم بعد أن أصبحوا يواجهون غضب الداخل واستنكار الخارج.

من هنا، نجد أن العقل والمنطق والحنكة يحتم على الموالين لإيران الذي ينفذون مشاريعها التوسعية في الدول العربية أن يفكروا مليا في مستقبلهم وأن تكون الأحداث في البحرين سابقا واليمن حاليا عبرة وعظة ويتجردوا من هذا الثوب الفارسي الذي ألبستهم إياه إيران ليس حبا لهم أو دفاعا عنهم بل ليكونوا أدوات لتحقيق أهدافها التوسعية والثورية في الجوار العربي.

لا تزال الأبواب الوطنية والقومية مشرعة لكل من انجرف خلف الأوهام والوعود الإيرانية من بعض أشقائنا وأبناء جلدتنا العرب، فالحسابات السياسية والحصول على الحقوق لا يكون عبر التحالف أو الانخداع بجهات خارجية تستغل تلك المطالب لتنفيذ مشاريعها السياسية.

كذلك ينبغي على القيادات السياسية في الدول العربية سد كامل الثغرات التي تتسرب من خلالها إيران إلى الداخل الخليجي والعربي والعمل على رص الصفوف وتقوية اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والتصدي للنزعات المذهبية والجهوية والمناطقية بكل حزم، فالجميع شركاء في الوطن ويتساوون في الحقوق والواجبات.

* نقلا عن صحيفة “مكة” السعودية