عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

حارة اليهود.. بين الحب والسياسة

آراء

مسلسل حارة اليهود، الذي يبث على عدد من القنوات التلفزيونية المصرية؛ يحظى منذ بداية عرضة في شهر رمضان على كثير من الجدل في مصر وإسرائيل، المسلسل، الذي تدور أحداثه في حارة اليهود وسط القاهرة في الخمسينات من القرن الماضي، ومن خلال متابعتي حلقاته الـ10 المذاعة حتى الآن؛ يصور تلك الحارة التي يعيش فيها اليهود المصريون في تلك المرحلة، وهذا لا يعني أن غالبية سكان تلك الحارة هم من اليهود، بل هم خليط من المسلمين والمسحيين واليهود.

المسلسل تدور أحداثه في فترة تاريخية حساسة في منطقتنا، وهي حرب فلسطين وإنشاء «إسرائيل» وما تعرضت له الجيوش العربية من هزيمة على يد «إسرائيل». المسلسل يتعرض لأسباب الهزيمة، من خيانة بعض الأنظمة العربية، وقضايا السلاح الفاسد الذي كانت تستخدمه الجيوش العربية في تلك الحرب.

قصة المسلسل تدور حول علاقة حب عاطفية بين فتاة يهودية (ليلى)، التي تجسد شخصيتها الفنانة منة شلبي، وشاب مسلم (علي) الذي يؤدي دوره الفنان إياد نصار، على رغم أنهما جيران ويعيشان في حارة اليهود المندمج سكانها اجتماعياً، إلا أن المصاعب واجهتهما؛ بسبب خلفياتهما الدينية، ما دفع (ليلى) إلى الزواج من ابن باشا مصري يهودي، عندما طالت غيبة حبيبها علي الضابط، الذي ذهب للدفاع عن فلسطين مع القوات المصرية والتعرض للأسر والتعذيب هناك، ومن ثم استطاع الهرب من سجنه بمساعدة أحد العرب الفلسطينيين، الغريب أن جماعة «الإخوان المسلمين» هاجمت المسلسل وطالبت بإيقافه، وصرح بعض مسؤوليها بأنه لا توجد علاقات عاطفية بين اليهود والعرب في تلك الحارة، وكأن الجماعة لديها كشف وسجلات بمن أحب أو كره من أبناء حارة اليهود في وسط القاهرة. وأعتقد أن سبب هجوم جماعة «الإخوان» على المسلسل ليس بسبب علاقة عاطفية بين شابة يهودي وشاب مسلم، ولكن المسلسل تعرَّض إلى موقف الجماعة من التفجيرات التي استهدفت المصالح اليهودية في القاهرة في تلك الفترة، وأنها قد تكون إحدى الجهات التي تقف خلفها؛ بهدف دفع اليهود المصريين إلى الهجرة من بلادهم.

هل أفسدت السياسة هذا المسلسل، وجعلته عرضةً للهجمات من أطراف متعددة؟

باعتقادي أن هذا قد يكون دقيقاً، ولكن لا مفر من حضور التاريخ والسياسة بشكل طاغٍ في أحداثه، ولكن ما لفت نظري هو الحياة الاجتماعية في تلك الحارة. نعم، أنا أتحدث هنا عن عمل فني، ولكنه يعكس مرحلة وجزءاً من التاريخ الجميل لمصر، العلاقات الاجتماعية بين أهل الحارة من كل سكانها، هم مصريون ويحبون بلادهم وأرضهم التي ولدوا وعاشوا فيها، ونجد أن خلفياتهم الدينية لم تمنع بعض أبناء تلك الديانات من التمتع بكل حقوق المواطنة، ولاسيما في السياسة والفن، والمحزن في هذه الصورة أننا – مجتمعات عربية وإسلامية – لم تكن لدينا هذه النزعة الإقصائية ضد الآخر المختلف معنا عرقياً ودينياً، فاليهود عاشوا بسلام في المجتمعات العربية، بعكس ما تعرضوا له من مذابح في المجتمعات الأوربية.

الآن وضعنا ليس رافضاً للآخر، بل لنا نحن أيضاً، وما نشهده من «داعش» وغيرها دليل على الحال المزرية التي تراجعنا فيها حضارياً وإنسانياً.

المصدر: الحياة