فضيلة الجفال
فضيلة الجفال
كاتبة سعودية

مسرحية وعرض واحد

آراء

لو يتوقف العرض قليلا، لو ينتهي الفيلم البوليسي، العنف، الرعب، الإثارة، لو تنتهي المسرحية، لو يصفق الجمهور لهذا العرض المسرحي التراجيدي الفادح. يغلق الستار ويقف الممثلون على المسرح، ينحنون ويصفق الجمهور طويلا لمشهد طويل طويل عاشوه بمشاعر مختلطة. يمسك الجميع بأيدي بعضهم بعضا في تحية للجمهور الهلامي. لو تنتهي الحكاية الدرامية التي أهلكت مشاعرنا في مشاهدها. يضحك الجميع. يقهقه الممثلون على أدائهم المخيف. يقف الانتحاري ويلملم شتات جسده. يربت المخرج على كتفه بأن أداءه كان ممتازا، فيقهقه فريق الدواعش في المشهد، ويأتي فريق العمل لإزالة الديكور الإجرامي. لو يقوم الموتى وهم يتمغّطون، يمسحون دماءهم المزيفة وجروح المكياج، ثم يتبادلون الضحكات على مشهدهم التمثيلي المرهق. لو يستلقي ممثلا المذهبين على ظهريهما من الضحك، على مشاهدهما التي يعيدها مهندس الصورة بسخرية. لو يتوقف كل المتحاربين مع انتهاء المشهد بفاصل قهوة، يشتاقون فيه لأصدقائهم الواقعيين مثلا، هم الذين يؤدون دورهم على المسرح كإخونجية وحوثيين وميليشيات وإرهابيين وعملاء.

لو تعاد اللقطات المصورة ونحن نلتهم رطلا من الفشار ونشرب الكولا. لو يعاد مشهد النقاش النووي والمشكلات والحروب، ويضحك الجميع على سيناريو المنطقة. لو يجلس السياسيون وتجار الدين في مقهى قريب من المسرح يناقشون العرض التمثيلي بسخرية طيبة. لو توضع العمائم والأشمغة على شماعة القاعة، ويحكّون رؤوسهم براحة بعد طول المشهد التمثيلي. لو يقول الواحد للآخر: كدت أصدق وأنت تشتمني وتحرض عليَّ وتتآمر، لقد تجاوزت النص أيها الملعون، فيضحكان ويضرب أحدهما ظهر الآخر بدعابة. لو بيدنا أن نوقف هذا الكابوس المرعب ونستيقظ. ما بال هذا الكابوس طويل جدا؟ حتى سقوطنا من فوق العمارات الشاهقة لا يوقظنا. حتى عضات القطط المتوحشة لا توقظنا. حتى الجاثوم الخبيث لا يوقظنا. حتى الصراخ والطيران في الأعلى لا يوقظنا. إنها أحلام كابوسية مهندسة بعناية. بمشيئة فوق مشيئتنا. أعلى من مشيئتنا. تبّا لهذا النوم الطويل الذي نشترك فيه معا. لو نشم رائحة عطر عابرة ونستيقظ، لو يتبرع أحدهم بطرق الباب بعنف

أتأمل الحلم حولي، يا ترى من المستيقظون الآن، حولي الآن كل من أعرف، فمن المستيقظون إذن؟! من هم الذين ينعمون بالواقع المسالم، حيث أهم أخبار في صفحات جرائدهم الرئيسة هي “أسعار الأرز”.. “مواعيد حفلات العيد”.. أو حتى “فائض في محصول التوت، إلا أنها لا بد مسرحية.. حتما كذلك.. لو تنتهي فقط.. لو توضع الأقنعة والشعر المستعار والرموش الصناعية وملابس التمثيل وعلب المكياج على طاولة الماكيير. لو نقف عند غرفة تبديل الملابس، نقرص بعضنا بأننا عدنا إلى الواقع ونقول: ياااااه كانت قصة طويلة.. لو نقرأ عن أخبار الأداء في الجرائد ونحن نتذكر مشاهدنا الخيالية البارحة.. لو يكون المانشيت: نجاح العرض يرفع نسبة الإيرادات مع انتهاء الموسم!. لو نصحو يوما مع واقع جديد لمسرحية انتهت: “النهاية”.. يلحقها اسم المخرج والمنتجون.. لو!

المصدر: الاقتصادية