جمال بنون
جمال بنون
إعلامي وكاتب اقتصادي

لا عمرة.. إلا بتصريح

آراء

من غير المعقول أن تقفز أسعار الغرف المطلة على الحرم المكي الشريف أو المسجد النبوي من 70 ألفاً إلى 120 ألف ريال في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ويبقى المعتمرون والزوار تائهين يبحثون عن غرفة بسعر مناسب أو أنهم سيسكنون في منازل شعبية لا تتوفر فيها وسائل السلامة وصحة البيئة. وكل هذا يحدث لعدم تنظيم سوق العمرة في السعودية، مع حركة التوسعات التي يشهدها الحرمان الشريفان، وتدفق عشوائي من معتمري الداخل، مع كثافة زوار الخارج، ما يخلق إرباكاً مرورياً وأزمة في الشوارع والطرقات وما ينتج منها من حوادث مرورية، وضغط شديد على رجال المرور في تنظيم الحركة، نضيف إليها الضيوف الرسميين وإفساح الطريق لهم، ما يزيد في الازدحام.

هذه الفوضى الخلابة في عدم تنظيم نشاط العمرة في الداخل، سواء للمواطنين أم للإخوة المقيمين الوافدين، أسهم في ارتفاع كلفة العمرة في السعودية، وبالتالي تأثر قطاع الخدمات الأخرى، فتسبب في مضايقة شديدة لكبار السن والنساء والعجزة داخل الحرمين من عدم توفير عربات لهم من شدة الزحام، إذ لا تكفي الكميات الموجودة في تغطية الطلب، وقس على ذلك انعكاسها على الفنادق والغرف والشقق السكنية وسيارات النقل، وضغط على شركات النقل الجوية المحلية، وأيضاً يؤدي إلى تدني الخدمة المقدمة للمعتمرين ومضاعفة الأعباء على المؤسسات الحكومية الخدمية من نظافة ونقل مخلفات وزيادة مراقبين ومشرفين. فهل بالفعل لدى الجهات الحكومية كل هذا الاستعداد لاستقبال معتمرين غير منظمين يندفعون بطريقة عشوائية وفوضوية، وشاهدنا كثيراً من الحوادث التي تنتج من هذه الكثافة البشرية في شهر رمضان المبارك؛ من ضياع أطفال، وعدم القدرة على ضبط الأمور. كما أنه يشكل خطراً أمنياً في ظل الأوضاع التي نعيشها، فقد يستغل متهور أو طائش هذا الانفلات غير الحضاري ليفسد هذه الشعيرة الدينية.

طبقت الجهات المختصة منذ سنوات نظام الحج بتصريح للمواطنين والمقيمين، وعلى رغم أهمية هذا النظام، لكونه يساعد المؤسسات الحكومية في تقديم مستوى عال من الخدمة، فإنه يواجه خروقاً في تطبيقه، إذ مايزال هناك متسللون من حجاج الداخل مقيمون ومواطنون، والعام الماضي بلغ عددهم أكثر من مليون متسلل دخلوا إلى المشاعر من دون ترخيص، وإنما مع مرور الزمن ستكتشف الجهات الرقابية طرق معالجة هذا الخلل وتحسينه وتشديد الرقابة، مع مراجعة طريقة منح التراخيص، وعدم ربطها بمؤسسات حجاج الداخل. وهذا ما أدعو اليه بالنسبة للمعتمرين والزوار من الداخل، إذ يتطلب الأمر وضع أنظمة وتشريعات وقوانين تضبط هذه السوق المنفلتة.

قبل أيام صرح مستشار أمير مكة المكرمة الدكتور هشام الفالح بأن خطة نقل الركاب من مواقف حجز السيارات الموزعة على مداخل مكة، ستنقل 23 مليون معتمر خلال الشهر، بزيادة عن العام الماضي تبلغ قيمة التذكرة ذهاباً واياباً 10 ريالات. دخل المواقف وحدها 230 مليون ريال خلال الشهر، ما يعني نحو 8 ملايين ريال عائداً يومياً، ولا أريد أن أحسد الجهات المعنية، فهي مثلها مثل أي قطاع، يهمها الربح المادي مع الكثافة التي يشهدها الشهر، والحال نفسها في الفنادق وسيارات الأجرة التي تواجه نقصاً حاداً في أعدادها، ما يجعل السوق مفتوحة لدخول السيارات الخاصة للمشاركة في تقديم الخدمة، المستفيد الوحيد من سوء التنظيم هو الجهات التي تبيع الخدمات للمعتمرين وتحقق عوائد مالية على حساب المعتمرين، ولا شك أن وجود نحو 14 مليون مقيم يعملون في السعودية معظمهم يستغلون الشهر الفضيل في زيارة المدينتين المقدستين لأداء العمرة أو زيارة المسجد النبوي، معهم إخوة موجودون بيننا من جنسيات أخرى، الذين تستضيفهم البلاد لظروف سياسية، وأضف إلى ذلك المواطنين السعوديين وأسرهم، فتخيل حجم السيارات التي تتحرك يومياً في الطرق الطويلة من مختلف المدن السعودية وحافلات وسيارات خاصة، كلها تسير في اتجاه واحد، صوب مكة المكرمة والمدينة المنورة، يكفي لرحلتك إذا كنت تأتي بسيارتك أن تملأها بالوقود وتسير على الطريق. أو تضطر إلى أن تركب مع إحدى السيارات الخاصة، التي تعمل من دون رقابة من أجهزة المرور، وأنت وحظك؛ إذا كان السائق ليس مرهقاً ولا يستغل هؤلاء ويبتزهم.

تجربة الحج بتصريح يجب أن تتطور وتأخذ منحى آخر ليضم المعتمرين، وربما ينزعج كثيرون من هذا الطرح، وخصوصاً أصحاب الشركات والمؤسسات وأصحاب الفنادق والنقل، لأنه سيخفض من عوائدهم، إلا أنه مطلب مهم، والغاية من التصريح المسبق وضع ضوابط أمنية بالدرجة الأولى، وأيضاً هو أحد متطلبات إدارة الحشود، فلا يكفي التنظيم فقط داخل الحرمين في الدخول والخروج، فالأمر يتعلق بجميع مكونات الخدمات وانعكاسها على المجتمع، والمطلوب هو فقط ضبط تحركات المعتمرين خلال موسم شهر رمضان المبارك. تخيلوا نحو 3 ملايين معتمر يومياً تنقلهم الحافلات من مواقف حجز السيارات في مكة، إضافة إلى من يأتون في الحافلات القادمة من مدن أخرى بشركة النقل الجماعي، هل يمكن أن تتخيلوا أن نحو خمسة ملايين معتمر يدخلون مكة يومياً في شهر رمضان، كيف هي حال المدينتين المقدستين وهذا التكدس الكبير للبشر؟ كيف لم يطرح موضوع تنظيم العمرة للمناقشة ومعالجة الخلل من لجنة الحج المركزية وإمارة مكة المكرمة، او حتى من وزارة الداخلية أو مجلس الشورى؟! هذا الموضوع يفترض أن يكون من الأولويات التي ينبغي معالجتها، واستغرب أن وزارة الحج صامتة وليس لها أي تخطيط أو توجيه، ولا أعلم كيف يصدر المسؤولون في الأمانة والمرور والصحة تقاريرهم بالإنجازات التي يحققونها؟! منذ سنوات تشهد المدينتان المقدستان مشاريع هائلة تسببت في إغلاق كثير من الطرق وتحويل مساراتها، واضطرت الدولة إلى خفض عدد الحجاج من الخارج بنسبة 20 في المئة، أليس من المفروض أن يكون موضوع تقنين العمرة، بما يسمح بإتاحة الفرصة للآخرين للاستفادة من الخدمات المقدمة للمعتمرين؟ أدرك تماماً أن هذا الموضوع إذا أعطي أهمية وأشبع نقاشاً ومراجعة لجوانبه سينعكس إيجاباً ويسهم في تطوير وتحسين عدد من الخدمات التي تقدم الآن بطريقة فوضوية.

المصدر: الحياة