علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

حرائق ليست صيفية

آراء

بدأ الصيف، وبدأ معه موسم الحرائق، وهي حرائق اعتادها الناس هنا منذ سنوات، منذ مرحلة ما قبل النفط والكهرباء، لأنها مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة، وازدادت بعد دخول الكهرباء لعدم قدرة الأجهزة الكهربائية على تحمل درجة الحرارة المرتفعة، بالإضافة إلى سوء التخزين في المستودعات، ونوعية المواد المخزنة فيها.

هذه الحرائق الصيفية التي اعتادها الناس في بلادنا منذ سنوات، يجب أن لا تكون محل استغراب، أو مدعاة لإثارة أسئلة لا داعي لإثارتها، لأنها لا تخدم سوى مطلقي الشائعات، والعاملين على نشرها في مجتمعنا الآمن المطمئن، الذي نحرص جميعاً على أمنه واستقراره، وحمايته من مطلقي الشائعات المغرضين.

الحرائق التي نقصدها هنا حرائق ليست صيفية، لأنها ليست مرتبطة بفصل من الفصول أو موسم من المواسم، وإنما هي مرتبطة بتلك العقول المريضة التي تخطط لزعزعة أمن هذه المنطقة الآمنة المطمئنة، وإشاعة الفوضى فيها، عن طريق نشر هذه الحرائق، وتجنيد من يقوم بإشعالها، وتدريبه وتزويده بالأدوات اللازمة لإشعالها، ومده بالأموال التي تستخدم لتجنيد خونة الأوطان، الذين يسهل شراؤهم بالمال، وإغراؤهم بمعسول الوعود والكلام، لإشعال الحرائق في البلدان التي وفرت لهم شرف الانتماء إليها، وحمل جنسياتها وجوازات سفرها، وهم أبعد ما يكونون عن هذا الشرف، وأقل من أن يستحقوا الانتساب إلى أهل هذه البلدان الأوفياء الأحرار.

يوم الثلاثاء الماضي أعلنت وزارة الداخلية البحرينية مقتل اثنين من رجال الشرطة، وإصابة ثلاثة في تفجير إرهابي في جزيرة «سترة» أثناء قيامهم بواجبهم الوطني.

هذه العملية التي لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة طالما كان هناك من يغذي إشعال الحرائق ويجند لها من يقوم بإشعالها، جاءت بعد أيام قليلة من إعلان السلطات البحرينية إحباط عملية تهريب مواد متفجرة وأسلحة إلى مملكة البحرين، وهي العملية التي اعترف أحد أفراد الخلية التي أعلنت السلطات البحرينية عن ضبطها، بتلقيه وزملائه تدريبات عسكرية مكثفة، في دولة مجاورة، عن كيفية صنع واستخدم المتفجرات، وتسلمه وزميله أربع حقائب من شخصين في عرض البحر، تحوي مواد متفجرة وأسلحة، استعداداً لتنفيذ عمليات تفجير، قبل إلقاء السلطات الأمنية القبض عليهما.

وما اعترف به أفراد الخلية الإرهابية للسلطات البحرينية الأسبوع الماضي، لا يبدو مستغرباً، إزاء ما شاهدناه من عمليات إرهابية خلال السنوات الأخيرة، تبين أن الذين قاموا بها تلقوا تدريبات في دول مجاورة ذات أجندات طائفية، وأخرى تشهد صراعات داخلية لها طابع طائفي وعرقي لم يعد خافياً على أحد.

هذا التصعيد تجاه إشعال الحرائق في منطقة الخليج، التي تعتبر مملكة البحرين أكثرها تعرضاً له، والمملكة العربية السعودية أكثرها استهدافاً من ورائه، باعتبارها دولة محورية في المنطقة، وأكثر الدول المهيأة لقيادة الأمتين العربية والإسلامية، في ظل الأزمة التي تعيشها الأمتان، والمشاكل التي تواجهها الدول العربية الكبرى منذ اندلاع شرارة الفوضى التي ما زالت نارها مستعرة، هذا التصعيد لا يبدو غريباً إذا ما نظرنا إليه من منظور الصراعات التي تعيشها المنطقة، واستطعنا تحديد الدول التي تقف خلف هذه الصراعات وتغذيها، وتستفيد منها وتستثمرها لصالح تحقيق أحلام توسعية، لم تستطع تحقيقها على مدى عقود من الزمن، ولن تستطيع تحقيقها مهما أشعلت من حرائق، لن يكتوي بنارها سوى خونة الأوطان وحدهم.

في تفاصيل المعلومات التي أدلى الموقوفون في الخلية التي ألقي القبض عليها في مملكة البحرين، معلومات مثيرة عن الأماكن التي تدربوا فيها على نشاطات، هدفها الإخلال بالأمن في منطقة الخليج، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، والتخطيط لاستهداف رجال الأمن في البحرين والسعودية على وجه الخصوص. وهي معلومات يجب التوقف عندها لمعرفة ما يراد بالمنطقة، خاصة بعد نجاح دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، في إفشال مؤامرتين كبيرتين في المنطقة.

كانت الأولى هي مؤامرة دوار «مجلس التعاون» المعروف باسم دوار «اللؤلؤة» في العاصمة البحرينية المنامة، وهي المؤامرة التي بدأت في شهر فبراير من عام 2011، واستهدفت أمن مملكة البحرين ووحدتها الوطنية، وكشفت عن تخطيط ودعم خارجي واضح لإذكاء نار الطائفية في مملكة البحرين، كي تمتد الحرائق بعد ذلك إلى المناطق المجاورة، وعلى رأسها المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، ثم بقية الدول الأخرى، وقد أفشلتها قيادة مملكة البحرين، وحولت عملية إفشالها إلى ملحمة وطنية شارك فيها المخلصون من أبناء الشعب البحريني الأبيّ، ودعمت عملية إفشالها دول مجلس التعاون الخليجي، بالوقوف إلى جانب الشعب البحريني وقيادته الحكيمة، ومساندتهما بكل حزم وقوة.

وكانت المؤامرة الثانية التي نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في التصدي لها وإفشالها، بقيادة المملكة العربية السعودية أيضاً، هي مؤامرة استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، لضرب طوق طائفي حول المنطقة، والسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيها.

وقد مثل إفشال هاتين المؤامرتين نكسة للمتآمرين ومن يقف خلفهم، يحاولون الآن تعويضها بتجنيد المزيد من الخونة وضعاف النفوس ومشوشي العقول، لزعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي، عن طريق إشعال هذه الحرائق التي نعرف جيداً مصدرها، ونعرف جيداً من يمولها، ونعرف جيداً من يشعلها، ونعرف جيداً كيف نطفئها، لأنها حرائق مفتعلة، مصدرها ارتفاع درجة الحقد في نفوس الذين يقفون خلفها ويغذونها، ويجندون الخونة من أعوانهم لإشعالها، وهي حرائق لم تعتدها بلداننا الآمنة المطمئنة، وستتخلص منها واحدة بعد الأخرى، وممن يشعلها، وممن يساعد على إشعالها، ويغذيها ويمول أصحابها.

المصدر: البيان