حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

لا عزاء للإنسانية

آراء

يصعب جدا أن تستوعب الإنسانية ادعاءاتنا بأننا تحضرنا وتقدمنا وتطورنا إلى الدرجة التي أصبح فيها الإنسان، بغض النظر عن أي اعتبارات فئوية أو طبقية أو جندرية أو عمرية، إنسانا له ما يستحقه من الاحترام، وله حقوقه التي يجب أن ينهض المجتمع مدافعا عنها كشكل من أشكال إثبات حياة الضمير وتحمل المسؤولية الإنسانية، من واقع الادعاء أو الزعم بأننا أصبحنا كذلك.

أقسم بالله أنني لم أشعر باكتئاب خلال السنوات الماضية القريبة مثلما شعرت به اليوم. وكما يقال بأن ضربتين في الرأس توجع، فإن صدمتين لضمير الإنسان أكثر وجعا وإيلاما. المشكلة أن الضحية في الضربتين هي الطفولة وهي جناية أن يكون المخلوق أنثى في مجتمع جند كل ذكوريته المشوهة للخسف بهذه الأنثى بغض النظر عن كونها في الأساس ضحية غيرها، الأب الأسرة، المجتمع الظالم، القوانين الغائبة، العدالة العوراء، الظلم الفاحش المبين الذي يسهل أحيانا إزهاق الأرواح ونحن نتناقل أخبارها ببساطة، بل ببلادة متناهية.

في هذا اليوم الكئيب قرأت خبرين: فتاة تموت بسبب الإفراط في الإهمال، وطفلة تموت بسبب الإفراط في «التأديب». يا الله، كم نحن مبدعون في إيجاد التخريجات لانتفاء الإنسانية عنا أحيانا. كم نحن استثنائيون أحيانا في عدم الخجل من الله وخلقه والإنسانية جمعاء. فتاة كانت ضحية لأسرة قاسية وأب تجرد من أدنى موجبات الإنسانية، حبست انفراديا دون اعتبار لحالتها النفسية وضعفها وانكسارها، وكانت النهاية أن تلف الحبل على رقبتها في غياب الإشراف والمتابعة من السجن الرديء المسمى دار رعاية الفتيات.

الحالة الثانية الأنكى والأقسى، موت طفلة على يد أبيها بعد فنون التعذيب والتنكيل. أنا أقول طفلة يا عالم، والقاضي الذي برأه من جريمة التعذيب المفضي للقتل وشبهة الاغتصاب يطلق سراحه بعد تسجيل تهمة عجيبة اسمها «الإفراط في التأديب». تأديب طفلة يا عالم؟؟!

عفوا..

لم أعد قادرا على الكتابة.

أقسم بالله لم أعد قادرا على كتابة حرف.

عذرا منكم.

المصدر: عكاظ