ديانا مقلد
ديانا مقلد
كاتبة لبنانية

متظاهرات لبنانيات

آراء

خرق الحراك الاحتجاجي في وسط بيروت رتابة أخبار الموت في التغطية الإعلامية العربية.

بدا غريبًا وسط كل صور الفناء السوري في مختلف تجلياته المأساوية وصور مظاهرات العراق ومشاهد حرب اليمن وكل ما يحدث في المنطقة أن تجذب صور مظاهرات بيروت وصداماتها وأغانيها وجدارها الذي بني وسقط في 24 ساعة انتباه كثيرين.

بدا مفاجئًا أن تشغل احتجاجات لبنان مساحة اهتمام واسع لدى الرأي العام في السوشيال ميديا خصوصًا لدى المجتمعات التي تشهد أزمات وحروبًا تتجاوز في أهميتها الواقع اللبناني بأشواط.

بدت المظاهرات اللبنانية أقل عنفًا وصدامية من مثيلاتها العربية وهو ما دفع بأصحاب خبرات التظاهر والاحتجاج من مصر وتونس وسوريا واليمن إلى التعليق على ما يحدث في لبنان تارة بعين الخائف من تعرض هذا الحراك للإجهاض والاستغلال وتارة بعين الغابط والداعم..

لكن كانت هناك عيون كثيرة أخرى حصرت اهتمامها وتعليقاتها وهواماتها بصور المتظاهرات اللبنانيات. وهنا لا أتحدث فقط عن ساخرين وناشطين على «تويتر» و«فيسبوك»، بل عن بعض المواقع الإعلامية وعن بعض كتبة المقالات والتعليقات الذين وضعوا عناوين وجمعوا صورًا وخطوا فوقها عبارات من نوع «متظاهرات لبنان يشعلن…»..

استعملت كلمة «يشعلن» في أكثر من عنوان حتى من قبل مواقع إخبارية يفترض أنها رصينة.

ومن يتابع الانشغال بصور المتظاهرات اللبنانيات سيصاب بالخيبة حين يرى الصور فعلا لا لعيب في الصور لكن لأنها ليست سوى مشاهد عادية لشابات وسيدات خرجن احتجاجًا على تردي الخدمات والأوضاع في لبنان ورفعن أيديهن وأصواتهن رفضًا للواقع الحالي. بل هناك متظاهرات تعرضن للضرب من قبل قوى الأمن وجرحن، وهناك من وقفن صفًّا عازلاً بين متظاهرين غاضبين وقوى الأمن.. هناك متظاهرات لهن أدوار أساسية في قيادة المظاهرات، وحاولن استيعاب فتية الأزقة، وشرعن في التحاور معهم لضبط غضبهم والحيلولة دون تصاعد هذا الاحتقان إلى أعمال تكسير وتخريب.. نعم هناك متظاهرات صرخن واحتججن وغضبن وهناك من رقصن وغنين ورسمن على وجوههن، بل هناك من رفعن شعارات احتجاجية يعتبرها البعض «جريئة»..

لكن بعض التعليقات وجزء من اهتمام رأي عام السوشيال ميديا اختزل ذلك بالتسطيح والاستخفاف وحصره بزاوية أنهن «لبنانيات». صحيح أن هناك تعليقات ساخرة ظريفة لا ضير منها وهناك تعليقات كثيرة أخرى استنكرت الذكورية الطافحة في تقييم صور المتظاهرات والوضع اللبناني، لكن تحول صور متظاهرات عاديات إلى مادة نقاش يعيدنا إلى مربع أول حول النظرة إلى المرأة والتنميط التاريخي بحق اللبنانيات. فقد باتت النسبة لهوية نساء لبنان أي تعبير «لبنانيات» وصفًا يستبطن ذاك التعميم الجنساني التقليدي الذي يحمله البعض تجاه لبنان وتجاه نسائه فيصبح وصفًا للتحرر بصفته تفلتا وللجمال بصيغة المبالغة وما يحيط بها من شهوانية..

نعم، لبنان يتمتع بهامش حرية واضح مقارنة بباقي المجتمعات العربية التي أيضا كان لنسائها مشاركات مهمة في مظاهراتها الاحتجاجية وهن تعرضن إلى القتل والتعذيب والتنكيل كما في مصر وسوريا، بل هن عانين من تشويه لصورتهن وعانين من التحرش والاعتداء الجنسي والتحرش بشكل جماعي..

مظاهرات لبنان لم تشهد تلك الحالات ولا تعد ساحات الاحتجاج أماكن خطرة للنساء بل هي مساحة تعبير جدية للبنانيات كما لباقي شرائح المجتمع.. صحيح أننا في لبنان متأثرون أيضًا بعقل ذكوري وبقوانين تميز ضد المرأة وبثقافة تسطيح واستهلاك وبتصاعد لموجة التطرف لكن الحيوية والحرية اللتين نتمتع بهما واللتين تجلتا في المظاهرات هي مساحة يحتفى بها ومدعاة للتماثل والتطوير وليس للانتقاص..

المصدر: الشرق الأوسط