د. عبدالله المدني
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

صاحب «الفجر الجديد» ورئيس تحريرها

آراء

قريبا، وتحديدا في الخامس عشر من سبتمبر، تحل الذكرى السنوية لرحيل واحد من رجالات الصحافة في المملكة العربية السعودية، ممن عشقوا الصحافة والكتابة وهاموا بها منذ سنوات شبابهم، وتميزت أعمالهم بالجرأة والشفافية والصراحة، وامتزجت أرواحهم بقضايا وطنهم وأمتهم العربية، وحقوق المسحوقين والمعذبين من مواطنيهم، فدفعوا ضريبتها اعتقالا وسجنا، وإغلاقا لمنابرهم الصحفية.
إنه المرحوم يوسف الشيخ يعقوب، إبن قاضي الجبيل المعين من قبل الملك عبدالعزيز آل سعود، ومدير أول مدرسة حكومية فيها «يوسف الشيخ يعقوب» رحمه الله، شقيق زميلنا في صحيفة الأيام الأستاذ إسحاق الشيخ يعقوب.
يحتل إسم يوسف الشيخ يعقوب مكانة رفيعة في تاريخ الصحافة السعودية بصفة عامة وصحافة المنطقة الشرقية بصفة خاصة. كيف لا وهو الذي دخل التاريخ مع شقيقه أحمد كصاحب ورئيس تحرير أول جريدة تصدر من الدمام في يوم السبت 11 رجب 1374 للهجرة المصادف للخامس من مارس 1955.
حملت الجريدة اسم «الفجر الجديد» اتساقا مع الطموحات التي اعتملت في النفوس في أوائل الخمسينات من القرن الماضي مع تولي جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية خلفا لوالده الملك المؤسس. وتقرر أنْ يكون صدورها في بادئ الأمر اسبوعيا، قبل أنْ تضطر إلى التحول إلى جريدة نصف شهرية. كما تقرر أنْ تُطبع في المطبعة السعودية بالدمام التي كان قد أسسها الشاعر والمؤرخ والمصلح المعروف خالد الفرج، وذلك بدلا من طبعها في البحرين أو طبعها في الرياض استجابة لعرض من علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر الذي رحب بفكرتها، وتعهد بالكتابة فيها إلى جانب كتاباته في صحيفة اليمامة الصادرة في الرياض.
وقتها عمّت الفرحة قلوب الكثيرين بظهور هذا المولود الاستثنائي، ولاسيما النخب المثقفة من رجالات المنطقة الشرقية أو من كان يعمل ويقيم بها، ممن كانت أفئدتهم تهفو إلى منبر صحافي يعكس الرأي الحر، ويبلّغ الرسالة، ويُسدي النصيحة، ويشير إلى مواقع الخلل، وينشر المعلومة الصحيحة، ويساهم في النهضة الثقافية والأدبية والعلمية. غير أنّ الأمور لم تسر على النحو المأمول. فقد صدرت من الجريدة أربعة أعداد فقط، بل أنّ العدد الرابع حجبته السلطات فلم يُوزع!
عن قصة جريدته يقول يوسف الشيخ يعقوب (بتصرف) طبقا لما نشره على لسانه الباحث السعودي محمد عبدالرزاق القشعمي صاحب كتاب «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية» أنه استطاع إقناع شقيقه أحمد بفكرة التقدم إلى الملك سعود بطلب إصدار «الفجر الجديد، إيمانا منه بأن جلالته يشجع مثل هذه الأعمال الوطنية الثقافية. ويضيف إنهما انتهزا فرصة تواجدهما في الرياض فقابلا الملك سعود الذي كان قد عاد للتو إلى عاصمة ملكه بعد أدائه فريضة الحج برفقة والدهما القاضي الشيخ يعقوب بن يوسف، فوافق جلالته على الفكرة وأصدر أمره للجهات المختصة بالسماح بإصدار «الفجر الجديدة» في الدمام التي لم تعرف حتى ذلك التاريخ أي نوع من الصحافة.
ومما لاشك فيه أنّ الرجلين (يوسف وأحمد) فرحا فرحا عظيما بهذا الانجاز، كونهما تطلعا إلى مساهمة جريدتهما إلى جانب صحف البلاد الأخرى في نجد والحجاز في معالجة الكثير من الأمور الاجتماعية والوطنية، والمساهمة في رفد حركة النهضة الأدبية والثقافية في المنطقة الشرقية. غير أنّ الأقدار كانت تخبئ شيئا آخر. ولم يكن هذا الشيء، الذي لم يفصح عنه يوسف في مقابلاته لكن يمكن أنْ يستشف من واقع خط جريدته وما كانت تنشره من تعليقات القراء، سوى النبرة الحادة والصراحة غير المألوفة لكتابها في تناولهم للشأن الداخلي، معطوفا على الخط العروبي والدفاع المستميت عن حقوق عمال شركة النفط (أرامكو) السعوديين والعرب الذي التزمت به الجريدة في زمن كان فيه المد القومي الثوري في أوجه، وهما الأمران اللذان تسببا في إغلاق الجريدة سريعا وحجب عددها الرابع المعد للتوزيع.
ومما لاشك فيه أنّ رؤية يوسف وشقيقه أحمد لحلمها وهو ينهار سريعا تسبب في متاعب نفسية جمة لهما، بل انسحب ذلك أيضا على العديد من كتاب الجريدة، وقد كانوا كوكبة من كتاب وشعراء ومثقفي تلك الأيام من أمثال: خالد الفرج، وسعد البواردي، وحسن القرشي، وعبدالرسول الجشي، وعبدالرحمن المنصور، وعبدالله بن خميس، وعبدالعزيز القاضي، ومحمد الحوشان، وعبدالغني ناضرين، بالإضافة طبعا إلى يوسف وشقيقه أحمد. ولعل مما زاد من متاعب يوسف وشقيقه هو اعتقالهما وسجنهما مرتين، كانت الأولى لمدة خمس سنوات، والثانية لمدة عشر سنوات. وفي هذا السياق كتب يوسف إلى الباحث محمد عبدالرزاق القشعمي ما يلي:
«الذي ازاح سحب تلك المتاعب الثقيلة، وفجّر الفرحة في قلوبنا بما في ذلك الآباء والامهات والاطفال الذين كنا نعولهم صدور بيان الديوان الملكي الكريم، الذي أعاد وحقق الثقة بنا وبكرامتنا كما نص بذلك البيان المنشور في الصحف المحلية بتاريخ 26 ربيع الاول عام 1395ه (1975) وجاء في النص ما يلي: (أسوة بما قام به المغفور له جلالة الملك فيصل طيب الله ثراه، من اطلاق قسم من المعتقلين في قضايا سياسية، والسماح لبعض الذين فروا من بلدهم هربا من تنفيذ الاحكام الصادرة بحقهم بالعودة لوطنهم، ونظرا لأن جميع من عفي عنهم اصبحوا عناصر طيبة، وساهموا باخلاص في خدمة دينهم ووطنهم، فقد أمر حضرة صاحب الجلالة (الملك خالد بن عبدالعزيز) باطلاق سراح جميع الباقين من المعتقلين المحكومين، والعفو عن جميع الموجودين في الخارج من المتهمين والمحكومين في قضايا سياسية، ودعوتهم للعودة الى وطنهم ليساهموا جميعا، في خدمة البلد وتطوير ازدهاره)».

وفي مقابلة له قبل رحيله مع جريدة اليوم الصادرة بالدمام (9/4/2004)، يخبرنا يوسف أنّ إقبال الجمهور على «الفجر الجديد» كان كبيرا منذ العدد الأول، «الأمر الذي دعانا إلى مضاعفة العدد الثاني إلى ثلاثة آلاف نسخة، ثم طباعة أربعة آلاف نسخة من العدد الرابع الذي جرى إيقافه».
لكن كيف كانت هيئة هذه الجريدة المبكرة، التي تلاها صدور صحف ومجلات أخرى في المنطقة الشرقية فلقيت ما لقيته «الفجر الجديد من إيقاف على نحو ما سنبين لاحقا.
الإجابة نجدها في مرثية نشرتها صحيفة اليوم في سبتمبر 2011 بمناسبة رحيل يوسف عن 93 عاما. حيث ذكرت الصحيفة، التي وصفتْ الراحل بأنه «شخصية متقدة، وافرة الفكر والإحساس، شغوفة بالمطالعة والكتابة وإعداد البحوث الاجتماعية، ومعنية بالمساهمة في الحركة الفكرية في وطنه»، أنّ العدد الأول من «الفجر الجديد»، والذي رأى النور في 5/3/1955، كُتب في صفحتها الأولى أنها «جريدة أسبوعية جامعة، يشرف عليها نخبة من المثقفين». أما في العدد الثاني فقد أضيف إلى ما سبق العبارات التالية: «تصدر مؤقتا نصف شهرية ثمن النسخة نصف ريال»، «صاحب الإمتياز ومدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب، رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب»، «الإشتراكات: داخل المملكة 25 ريالا، وخارج المملكة 40 ريالا». وفي آخر صفحة من صفحاتها كُتب أنها تطبع في «المطبعة السعودية» بالدمام، علما بأن كل الأعداد صدرت في ثماني صفحات بمقاس 44 في 30 سم.
في العدد الأول، كتب مدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب كلمة الافتتاح تحت عنوان «اعتراف لابد منه»، وكتب عبدالعزيز محمد القاضي مقالا بعنوان «خطوة»، وكتب عبدالله بن محمد بن خميس مدير المعهد العلمي بالأحساء مقالا آخر بعنوان «فجر جديد في عالم الصحافة»، وكتب رئيس التحرير مقالا ثالثا بعنوان «في موكب الفجر». أما الأساتذة سعد البواردي وحسن عبدالله القرشي وعبدالرحمن المحمد المنصور فقد كتب كل منهم قصيدة حملت بالترتيب العناوين التالية: «فجر جديد»، «سنسحق أعداءنا»، «أنات لاجئ». وفي العدد أيضا قصة بعنوان «ورقة الطلاق»، وبحث تاريخي مطول لعبدالرسول الجشي عن الدمام، ونعي للشاعر والمؤرخ خالد الفرج الذي كان قد توفي في لبنان في عام 1954.
في العدد الثاني الذي صدر في 19 مارس 1955، كتب افتتاحية العدد أحد أعضاء أسرة التحرير، وهو الأستاذ محمد الهوشان الذي رمز إلى إسمه ب «أبوعمر»، وكانت الافتتاحية بعنوان «نريد فكرة لا أسلوبا»، وكتب فيه أيضا الكتاب المشار إليهم آنفا، أو نشروا فيه قصائدهم.
أما في العدد الثالث والأخير الصادر في 2 أبريل 1955، فقد كانت الافتتاحية بعنوان «التعليم والثقافة العامة» بقلم الأستاذ عبدالغني ناظرين الذي أرفق اسمه بعبارة «ليسانس حقوق». كما كتب رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب مقالا بعنوان «رئيس التحرير في قفص الإتهام».
ولد يوسف الشيخ يعقوب (أبوسمير) في مدينة الجبيل في حدود عام 1925 لأب هو الشيخ يعقوب بن يوسف آل إبراهيم البصري التميمي الذي ترحل بين جنوب بلاد فارس والبحرين وقطر إلى أنْ استقر به المقام في الأخيرة وعمل بها قاضيا. لكن المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود استدعاه من هناك ليعمل قاضيا ومديرا لأول مدرسة ابتدائية حكومية في مدينة الجبيل. في هذه المدرسة أتم أبوسمير دراسته الابتدائية، وعُرف أثناء ذلك بحب المطالعة والبراعة في كتابة المقالات والبحوث الاجتماعية ذات الصلة بمشكلات المجتمع من تلك التي راح ينشرها في صحف الخليج ومصر.
في مستهل شبابه، وقبل أنْ تسرقه الصحافة ومتاعبها، اهتم بالحركة الرياضية بدليل وجود مؤلف مطبوع له بعنوان «نظام الرياضة». أما سيرته العملية فتفيد بأنه إلتحق في بداية الأمر بشركة أرامكو، حيث عمل في مقرها الرئيسي بالظهران لعدة سنوات كان خلالها شاهدا على انعدام العدالة والمساواة بين الموظفين الأمريكيين ونظرائهم من السعوديين والعرب، وهو ما جعله يولي الموضوع أهمية قصوى في كتاباته اللاحقة بجريدة «الفجر الجديد» ويستخدم في تناوله أسلوبا خشنا جلب له المتاعب، بل جعله أيضا موضعا للشك والمضايقات حينما عمل لاحقا في مكتب العمل بالمنطقة الشرقية عند تأسيسه تحت إدارة المرحوم عبدالعزيز المعمر زمن الملك سعود. وما بين هذا وذاك تنقل أبو سمير في عدة وظائف حكومية في المحكمة الشرعية ودوائر الشرطة والجمارك في المنطقة الشرقية. كما افتتح في عام 1954 مكتبا للمحاماة في الخبر مع المرحوم عبدالله الحقيل، وأنشأ مكتبة أهلية في الخبر كانت تزخر بأمهات الكتب في الأدب والشعر والتاريخ والفقه.
ورغم كل الصعاب التي واجهته في حياته ظل مخلصا لمعشوقته الأولى وهي الكتابة، فقد ظل يكتب المقالات الصحفية مستخدما اسما رمزيا له دلالاته وهو «فتى الخليج العربي»، حيث كان من أشد المنافحين عن عروبة الخليج وأكثرهم شرحا وتبيانا وتفسيرا لاسم «الخليج العربي» في مواجهة الأطراف التي حاولت طمس هذا الإسم لصالح تسميات أخرى. وفي هذا السياق كتب ذات مرة مقالا بعنوان «عروبة الخليج.. بين الواقع والوهم والتحدي»، أشاد فيه بكتاب «عروبة الخليج» للكاتب اللبناني قدري قلعجي وما تضمنه من تطلعات قومية وعلمية وتاريخية تتعلق بجغرافية الخليج العربي وتاريخه، من أقدم العصور حتى الحاضر، ومصطلحات تاريخية وسياسية أثبتها الرحالة الكبار حول المسمى الحقيقي للخليج طبقا للخرائط القديمة، قائلا: «إنّ الذي أطلق على الخليج اسم (الخليج الفارسي) كان قائد اسطول الاسكندر المقدوني عندما اقتحم بأساطيله وجيوشه الجرارة (مملكة الفرس).. فاستمر المؤرخون ورسامو الخرائط الجغرافية يتبنون ذلك الاسم المغلوط دون تحر أو جهد علمي لتحري الواقع، إلى أن جاء الرحالة كارسن نيبور الذي جاب الجزيرة العربية عام 1762م ليؤكد حقيقة عروبة الخليج، ثم زاد على التأكيد المؤرخ البريطاني رودريك اوين الذي زار الخليج وكتب عنه في عام 1957م».
حينما خرج يوسف من المعتقل مرفوع الرأس، فضل العمل في التجارة، لكن التجارة لم تحل بينه وبين المساهمة الصحفية. إذ راح، إلى ما قبل ثماني سنوات من إصابته بجملة من العلل الصحية ومنها الزهايمر، يكتب في صحيفة اليمامة وفي صحيفة اليوم التي كان ضمن من ساهموا في تأسيسها. كما راح يواصل إصدار المؤلفات المختلفة ومنها رواية بعنوان «كلمات من القلب»، وأخرى إجتماعية بعنوان «قوس قزح»، وكتب أخرى حملت العناوين التالية: تاريخ مدينة عينين (الجبيل)، فلسفة الخوف، من أجل مكتبة أفضل. وقبل رحيله كرمته بلاده من خلال وزارة الثقافة والإعلام السعودية ضمن من تم تكريمهم من رواد الصحافة السعودية في معرض الكتاب الدولي بالرياض في عام 1428 للهجرة.
وقد عثرت في موقع «عرب فارس» الالكتروني رسالة موجهة في عام 1355 للهجرة من الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحيم الصديقي الجاركي في بلاد جارك الساحلية الفارسية إلى الشيخ يعقوب بن يوسف آل إبراهيم البصري الصديقي في مدينة جبيل الساحلية السعودية، يسأل فيه الأول الثاني عن أحواله وأخباره. وجاءت الرسالة المرسلة في صورة قصيدة شعرية نصها:
بسم الله تعالى
شرائف السلام والتحية لحضرة العلية البهية
أعني به الشيخ التقي الفاضلا الشيخ يعقوب الوفي الكاملا
سلمه الله من الأوهام وصانه عن سائر الأسقام
بعد السلام التام والتحية عليكم يا حضرة العلية
فإن سألتم من صميم الخاطر عن خل ذي الوداد الوافر
فإنه من فضل قدوس تبارك في صحة وفي بلاد جارك
وبلغ السلام للأولاد وسائر الأصحاب والأمجاد
ومن لدينا الوالد المعظم كذا الولد عليكم يُسلم
كما عثرتُ في الموقع ذاته على رسالة أخرى موجهة من الشيخ عبدالواحد بن محمد الفلامرزي (إبن أخ «أبوطالب الملا» أحد مشايخ وحكام منطقة فلامرز) المقيم وقتذاك (عام 1330 للهجرة) في مدينة بوشهر الإيرانية إلى الشيخ يعقوب بن يوسف آل إبراهيم القاضي وقتئذ في إمارة قطر، يرجو فيها الأول، وقد كان حريصا على نشر العلم الشرعي الصحيح وتعليم الناس واجباتهم الدينية وفق المذهب السني الشافعي في القرى والبلدات القريبة من ميناء بوشهر حيث لم يكن يوجد سوى مسجد واحد للسنة، من الثاني (الشيخ يعقوب إبن المرحوم الملا يوسف) أنْ يساعده في تدريس بعض الطلبة إلى أنْ ينهوا دراستهم ويتخرجوا على يديه ويعودوا إلى بلاد فارس ليتولوا إحياء الشافعية ورفع أعلام السنة في تلك الأرجاء، مذكرا إياه بأنه لو وافق، فسوف يكون ذلك من الجهاد الذي «يبقى لكم ذكره وفخره، ويعود ويتجدد عليكم نفعه وأجره».
قلنا أن «الفجر الجديد» ليست الوسيلة الإعلامية المكتوبة الوحيدة في المنطقة الشرقية التي مُنعت من الصدور بعد فترة قصيرة من إطلاقها. فبعد ما حلّ بالفجر الجديد قام أحد كتابها وهو الأستاذ سعد البواردي بتشجيع من يوسف الشيخ يعقوب بتحقيق فكرة إطلاق مجلة ثقافية شهرية من الخبر. وكان البواردي يعمل وقتذاك موظفا في قسم قطع غيار السيارات لدى شركة عبدالكريم عبداللطيف العيسى بالخبر، وليست لديه دراية كافية بإدارة مجلة من هذا النوع، وإنْ كان مطلعا ويهوى الكتابة الصحفية ونظم الشعر. جملة القول إنّ البواردي تقدم إلى السلطات بطلب الحصول على ترخيص لإصدار المجلة المذكورة تحت عنوان «الإشعاع»، فجاءته الموافقة سريعا. وهو من جانبه تدبر أموره بسرعة لأن «عالمنا العربي كان يعيش حالة مخاض سياسي، وتحولات تاريخية. كانت الأجواء مشحونة ملتهبة. صراع حاد بين الاحتلال والاستقلال في أكثر من مكان. وكان الصوت مرتفعاً ولاسعاً على مستوى عالمنا العربي ونحن جزء منه نتفاعل مع قضاياه وأحداثه، على حد قوله كما رواه عنه محمد عبدالرزاق القشعمي في مقال له بعنوان «سعد البواردي ومجلة الإشعاع» نشرته مجلة الواحة (العدد 60، سنة 2010).
إستقطبتْ المجلة بعد صدورها الكثير من الكتاب من مختلف أنحاء المملكة، وفتحت أبوابها للمبتدئين من شعراء وكتاب. لكن تم توقيف صدورها من قبل السلطات بعد عددها الثالث والعشرين، وكانت وقتها قد أكملت السنتين تقريبا. أما صاحبها فقد خيّر بين أنْ يبقى في السجن أو أن يذهب إلى مسقط رأسه في شقراء تحت الإقامة الجبرية لمدة سنة طبقا للمصدر السابق، فاختار الخيار الثاني.
بعد هذه الواقعة تم إيقاف صحيفة «أخبار الظهران» عن الصدور في عام 1957 عند العدد 44، وذلك بسبب توجهاتها الوطنية المناصرة للقضايا القومية، واحتوائها على مقالات تدافع عن عمل المرأة السعودية وقضاياها الاجتماعية. ومما ذكره الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن هذه الصحيفة في كتابه القيم «إعلام وأعلام دراسات في الإعلام السعودي» أنّ الأستاذ عبدالكريم الجهيمان كان مارا بالدمام في طريقه لزيارة مشيخات الخليج فنزل ضيفا على صديقه الشيخ عبدالله الملحوق مدير مكتب أمير المنطقة الشرقية وقتذاك «سعود بن جلوي»، الذي عرض عليه أنْ يتولى إدارة مطبعة حديثة كان قد أسسها الملحوق مع آخرين تحت اسم «مطابع الخط» قائلا له: إنهم قد أبرقوا إلى ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز لأخذ الأذن في إصدار جريدة بالمنطقة الشرقية سوف تطبع في تلك المطبعة. وافق الجهيمان على العرض وصدرتْ الجريدة في البداية تحت اسم «الظهران» قبل أنْ يغير إلى «أخبار الظهران»، وتولى هو فيها منصب مدير التحرير، بينما ذهبت رئاسة التحرير إلى الملحوق. وسرعان ما غادر الملحوق الدمام إلى بيروت ليعمل ملحقاً بالسفارة السعودية هناك فآلت إدارة المطبعة ورئاسة تحرير الصحيفة إلى الجهيمان.

المصدر: صحيفة الأيام