دنيس جونسون ديفز
دنيس جونسون ديفز
مترجم بريطاني

ابن المقفع وترجمة «كليلة ودمنة»

آراء

ساورتني في وقت من الأوقات فكرة إنجاز ترجمة حديثة للنص العربي لـ«كليلة ودمنة» إلى الانجليزية. وعلى الرغم من أن حوالي 20 ترجمة لهذا النص إلى الانجليزية قد تم القيام بها في أوقات مختلفة، إلا أنه ليست هنالك ترجمة حديثة لهذه الحكايات الشهيرة. التي كانت في وقت من الأوقات رائجة للغاية وذات تأثير كبير. ولكنني لم أستطع قط لسبب ما أن أجد الوقت الكافي للقيام بذلك.

وبالنسبة لمن لا يعرفون هذا الكتاب، فربما يكون الوقت قد حان لإيضاح أن «كليلة ودمنة» هما اسما أختين من بنات آوى إحداهما ساذجة وتحسن الظن على الدوام في الجميع، والأخرى حاذقة وماكرة والمناقشات التي تدور بينهما والحكايات التي تتناولهما تتحدث عن محاولاتهما لاكتساب تعاطف الأسد.

والكثير من القصص والحكايات الرمزية المتضمنة في هذه القصص معروفة على نطاق واسع في العالم العربي للمتعلمين ومن لم ينالوا قسطا من التعليم.

توفي ابن المقفع الذي ترجم هذه الحكايات إلى العربية، في عام 1759، أي في قرن كان الأدب العربي يدخل في عهده الذهبي، وبمرور الوقت، اكتسب كتابه شهرة عظيمة وأنجزت ترجمات له إلى كل لغات العالم الباقية.

وهكذا فإن الفونسو العاشر المعروف بلقب إل سابيو، أي الحكيم، والذي شجع بصفة شخصية حركة الترجمة في استبانيا، ومن قبله والده فردناند الثالث الذي وجه بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإسبانية، وجه بترجمة «كليلة ودمنة» عن العربية مباشرة.

وأود أن أقدم للقارئ هنا مثالاً على هذه الحكايات، والقصة التالية التي ترجمتها من العربية إلى الانجليزية هي تجسيد لروح الحكايات، وقد شقت طريقها في قالب مختلف قليلا إلى مجمل الأعمال الفولكلورية المتضمنة في طرائف حول الأحمق الحكيم جحا.

تقول الحكاية:« يحكى أنه كان هناك في أحد البلاد تاجر كان يريد شد الرحال إلى أماكن معينة لأغراض التجارة وكان يمتلك 100 قطعة من الحديد وقد أودعها لدى صديق له ومضى في طريقه، ثم عاد فجأة .

وطلب قطع الحديد فقال له الرجل:» لقد أكلتها الفئران«، فرد التاجر على ذلك بالقول حقا ليس هناك شيء حاد يؤثر على الحديد مثل أسنان الفئران». فابتهج الرجل إزاء تصديق التاجر أن ما زعمه قد حدث بالفعل، ثم غادر المكان وقابل أحد أبناء الرجل، فأمسك به ومضى بهم إلى داره.

في اليوم التالي عاد الرجل إلى التاجر وسأله: «هل تعرف ما حدث لابني؟ »فرد التاجر على ذلك قائلا:« فيما كنت أنصرف من عند البارحة، رأيت صقرا ينقض على فتى صغير وربما كان هذا الفتى ابنك»، وعندئذ لطم الرجل بيديه على رأسه وصاح قائلا:« إنني أسألك: هل رأيت أو سمعت عن صقور تطير بالصبية الصغار بعيدا؟»

رد التاجر عليه قائلا:« في بلد يمكن للفئران أن تأكل مئة قطعة من الحديد لن يكون شيئا مدهشا أن تنتزع الصقور الفيلة وتطير بها عاليا». وعندئذ قال له الرجل:« لقد سرقت حديدك وإليك ثمنه فأعد إلي ولدي».

إن الطريقة المقتضبة التي تروى بها الحكايات وغياب أي نوع من التفسير غير الضروري هما مؤشران على أن إبداع ابن المقفع العظيم، وهو إبداع جعل نثره نموذجا للبلاغة.

يقال إن هذا الكاتب الرزين قد ولد زرداشتيا، واعتنق الإسلام وعلى الرغم من أنه في وقت من الأوقات كان يحظى بعطف أحد الخلفاء العباسيين الأوائل، إلا أنه في وقت لاحق طالته يد النقمة فتم إعدامه.

المصدر: صحيفة البيان