ميسون الدخيل
ميسون الدخيل
كاتبة سعودية

أين أنتم من مواقف الفيصل

آراء

في خضم الأحداث الدامية التي تجري على ساحات الوطن العربي، خاصة ما يجري في باحات مسجد الأقصى الشريف والمدينة العتيقة وبقية المناطق التي تواجه اعتداءات سافرة من العدو الصهيوني ضد المرابطين في المسجد وأهلنا من الشعب الفلسطيني، تنفطر القلوب أسى على المواقف العربية وطرق تعاملها مع المأساة إعلاميا على الأقل، لا بل أكثر من ذلك، نجد من ينادي بالجهاد على أرض الشام ويعتبره جهادا مقدسا، ومن أجل بيت المقدس يكتفي بالطلب من الأمة الإسلامية لهم بالدعاء! يسارعون في نفخ النار وتشجيع الشباب لكي يكون حطب المعارك بين أيدي عصابات مسلحة متطرفة، وحين تقع الفأس في الرأس يسارعون في الدفاع عنهم ويدعون أنه غُرر بهم ويحتاجون إلى جلسات إصلاح ومناصحة! الأدلة والأحداث تدل على أنهم إن لم تتم تصفيتهم، عادوا إلينا بأنفس حاقدة وعقول جامدة غير قابلة للتأقلم أو التغيير، بل منهم من يقوم على التخطيط وتنفيذ أعمال إرهابية داخل الوطن! نعم شهدنا وشاهدنا وعشنا كل ذلك واليوم يعيدون علينا نفس الأسطوانات ونفس المشاهد تتكرر أمامنا، تجييش وتحريض وإلباس الدين على حملاتهم المسعورة، معتمدين على أننا شعب مؤمن مشاعره مرهفة حين يتعلق الأمر بالروحانيات، ولكن فاتهم أن اليوم غير الأمس! ماذا؟! هل يعتقدون بأن ذاكرتنا ضعيفة! سيقولون نحن لم نخاطب الشباب العربي، بل خاطبنا الشباب السوري فقط! وأي قارئ لهم سوف يستشف أن “الخطاب لك يا جارة والقصد لك يا كنة”، يعرفون كيف يتلاعبون بالكلمات بحيث لا يتم توجيه أي اتهام مباشر لهم! أقول لهم زمن التلاعب انتهى، نعم انتهى ولدينا جهاز أمني قوي وحاضر بكل جهوزية على الساحة، وقيادة سياسية متمرسة في المواجهة وعلى جميع الأصعدة، فارحمونا وارحموا الشباب وأهاليهم من العذاب الذي ينتظرهم في حال استجابوا لنداءاتكم المسمومة، وأعلموا بأن الجهاز الأمني لكم بالمرصاد، وما التحركات السريعة والاعتقالات المكثفة للخلايا الإرهابية سوى دليل على أن ما هو قادم أعظم بإذنه تعالى.
نستحضر في مثل هذه الأيام من تاريخنا ذكرى حرب السادس من أكتوبر، تلك الحرب التي كسرت شوكة العدو وحطمت عنجهية من كان يعتقد بأنه يمتلك الجيش الذي لا يقهر، حرب عربية بامتياز شارك فيها غالبية دول الوطن العربي، لم يقدها شيوخ ودعاة وملالي، بل ملوك ورؤساء جسدوا المعنى الحقيقي للأمة العربية في وقت كان الأمل قد انقطع وظن البعض أننا أمة مهزومة ليس بيدها شيء سوى الاستسلام للواقع الذي فرضه العدو الصهيوني ومن يدعمه، وحينما أرسلت دعمها للجيش الأول والجيش الثاني على الأراضي السورية والمصرية لم تبخل، بل جسدت ذلك بوقفة عز من ملك عظيم الذي رد على أحد إعلاميي الغرب حين لمح له عن احتمال توجيه ضربة من أميركا لبلاده بسبب هذا القرار المصيري، بقوله: “ما نقدمه أقل القليل مما تقدمه مصر وسورية من أرواح جنودها في معارك الأمة المصيرية، وتعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد للرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول وألا تصل إلى يد أعدائنا”، بل إنه قال لوزير الخارجية الأميركية حين ذهب إليه ليطلب منه أن يعيد ضخ البترول، وحينها أراد أن يستظرف وقال: إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟”، لم يبتسم الملك فيصل ورد عليه قائلا: “وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟”، رحم الله الملك فيصل بن عبدالعزيز، وتغمده بفسيح جناته ملك عظيم قاد التحرك العربي عند بدء التجهيز والإعداد لحرب أكتوبر، تجسدت في تحركاته بين العواصم العربية لتوحيد الصفوف وتأمين المساندة، وكيف ننسى موقف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- حين قال: “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي، وإن كرامة العربي هي الأغلى والدم العربي هو الأشرف، ودونهما يرخص المال والثروة”، وماذا عن الكويت والعراق والبحرين والمغرب بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية الذين قاموا بإرسال قوات وعتاد حربي إلى أرض المعركة سواء في سورية أو مصر، وموقف الرئيس الجزائري هواري بومدين العظيم، رحمه الله، فلقد أمر البنك المركزي الجزائري بفتح اعتماد للاتحاد السوفيتي لتغطية كافة طلبات مصر من الأسلحة، بالإضافة للقوات التي أرسلها.
كلّ كانت له وقفة عز إلى جوار إخوتهم في مواجهة عدو مغتصب همجي متغطرس، ذلكم ما قدمه تاريخنا من عظماء، وتلك كانت أفعالهم، قدموا الغالي والنفيس متمثلا، أولا وأخيرا، في أرواح أفراد من قواتهم المسلحة، جنود مدربة وعلى أسس عقائدية بني عليها كل فرد من القوات المسلحة العربية، ليسوا شبابا جاهلا حين يوضع السلاح بين أيديهم لا يعودون يدركون العدو من الصديق، فيضربون ويدمرون كل ما يقع تحت مرمى بنادقهم بناء على فتوى من هذا أو ذاك، هذا إن لم يفجر أحدهم نفسه في الأبرياء والمدنيين طالبا الجنة! اللهم وحّد صفوف العرب واجمع كلمتهم، فالعدو الصهيوني يكيد لنا ويرقص فرحا على دمائنا التي تسفك في غير محلها، فهوالمستفيد الأول من الدمار والشرذمة والضياع الذي أصاب شباب ووقود أمتنا، يا سادة البوصلة القدس ومن تكون وجهته غير ذلك فقد أضاع الطريق! 

المصدر: صحيفة الوطن السعود